خبير اقتصادي ألماني: ليس أمامنا خيار سوى الالتزام بمعاهدة "ماسترخت"
تمر منطقة اليورو بأزمة اقتصادية حادة تباينت آراء الخبراء بشأن تبعاتها. ويذهب بعضهم في توقعاتهم إلى احتمال انهيار هذه المنظومة. حول هذه المسألة ومواضيع أخرى تتعلق بأزمة منطقة اليورو حاورت قناة "روسيا اليوم" الخبير الاقتصادي تيلو ساراتسين عضو البنك المركزي الألماني السابق. وقال الخبير إنه ليس أمام الاتحاد الأوروبي سوى الالتزام بمعاهدة "ماسترخت".
تمر منطقة اليورو بأزمة اقتصادية حادة تباينت آراء الخبراء بشأن تبعاتها. ويذهب بعضهم في توقعاتهم إلى احتمال انهيار هذه المنظومة. حول هذه المسألة ومواضيع أخرى تتعلق بأزمة منطقة اليورو حاورت قناة "روسيا اليوم" الخبير الاقتصادي تيلو ساراتسين عضو البنك المركزي الألماني السابق. وقال الخبير إنه ليس أمام الاتحاد الأوروبي سوى الالتزام بمعاهدة "ماسترخت".
إليكم النص الكامل للمقابلة
س- في كتابك الذي أصدرته حديثا، تقول إن ألمانيا لم تستفد كثيرا من تقديم عملة اليورو كما أن العديد من الخبراء يقولون إن بلدانا أوروبية أخرى تشاطر ألمانيا رأيها. هل يمكن القول ان هناك بلدانا أوروبية يمكن أن تقول إن اليورو كان جيدا بالنسبة لها؟
ج- كلا لا أعتقد ذلك، فالبلدان الشمالية لم تستفد من اليورو مع انه لم يتسب بأي ضرر لهذه البلدان إلى حد الآن- ربما في المستقبل- أما عن البلدان الجنوبية مثل فرنسا فإنها حققت بعض المكاسب من تنامي القروض الذي استمر لغاية عام 2005. ومن الإشكالات الأخرى تنامي العجز في الحسابات الجارية وتنامي حجم الديون وسبل التعامل مع هذه المشكلات التي تمثلت في خفض الإنفاق العام والسعي لتنمية وتطوير القدرة التنافسية من خلال تخفيض الأسعار والكلف، كل ذلك سيتسبب بضرر أكبر على المدى القصير - وهذا بدوره أدى إلى مضاعفة المشكلات وجعلها أكثر تعقيدا.
س- إذا ما هو الحل الذي تقترحه، هل تقترح بأن تغادر اليونان وإيرلندا الاتحاد الأوروبي أم أنك تتفق مع رأي بعض الخبراء الذين يقولون إن ألمانيا هي من يجب أن يبادر ويغادر منطقة اليورو؟
ج- ليس أمامنا خيار سوى الالتزام بمعاهدة "ماسترخت" ولكننا في ذات الوقت نطالب بقية الأعضاء بأن يظهروا التزامهم بهذه المعاهدة أيضا. وهذا يعني إيقاف حزم المساعدات، ويعني أيضا عودة البنك الأوروبي المركزي إلى دوره الطبيعي المتمثل بدعم الاقتصادات بالأموال الكافية، ولكن في ذات الوقت العمل على منع ارتفاع التضخم - ولكنه حاليا ومن خلال سياسته المالية المستخدمة يعمل على تمويل العجز المتنامي في القطاعات العامة والحسابات الجارية للبلدان الجنوبية. وهذه السياسة حسب اعتقادي خاطئة على المدى البعيد لأنها تسبب في ارتفاع معدلات التضخم.
س- ما أفهمه من كلامك هو أن على ألمانيا أن توجه إنذارات في هذه الحالة؟
ج- هذا بسبب كون ألمانيا هي الجهة التي تدفع - نحن من يقدم حزمة المساعدات المالية وبإمكاننا ببساطة إيقاف تلك المساعدات التي نقدمها الى بلدان الاتحاد الأوروبي وهذا يعني أن على تلك البلدان إما أن تغيير سياساتها الاقتصادية أو أن تغادر الاتحاد الأوروبي.
س- لقد أمضيتم في الاتحاد الأوروبي مدة جيدة جدا، ولكن يبدو أن الطاولة قد انقلبت، إن صح التعبير، فهل تعتقد أنه من المناسب أن تتخلوا عن اطراف تقدمتم بتعهدات لالتزامها والآن تتخلون عنها في وقت الأزمة؟
ج- الاتحاد النقدي يستند الى اتفاقية ماسترخت، وكل ما أقوله هنا هو إننا يجب أن نعود مرة أخرى إلى هذه الاتفاقية ونلتزم بها وببنودها، لأن هذا هو السبيل الأوحد الذي يمكن للاتحاد النقدي أن ينجح في عمله. أما إذا فشلت بعض الأطراف في الالتزام بالمعاهدة أو ثبت لها أن العملة المشتركة من القوة بمكان بحيث لا يتمكن اقتصادها من مجاراتها فان القرار متروك لتلك البلدان بمغادرة الاتحاد الأوروبي. ولا يتعلق الأمر بالانتقاص من تلك البلدان ولكنه يتعلق بآلية إنجاح الاتحاد النقدي.
س- حذرت انجيلا ميركل من أن انهيار اليورو سيؤدي إلى انهيار أوروبا- ما هو شكل الانهيار حسب توقعكم - هل يمكننا الحديث عن حدوث انهيار حقيقي أم طلاق سياسي فقط؟
ج- انجيلا ميركل تقول إنه إذا ما انهار اليورو فان ذلك من شانه أن يقود الى انهيار أوروبا وهذا برائي أفضل سبيل لحث الأطراف الأوروبية ودفعها للعمل على الاتفاق على نوع السياسيات التي يتبعونها. وهنا قد تثار بعض التساؤلات عن ما تعنيه أوروبا. وأوروبا الكبيرة الممتدة من مضيق جبل طارق وصولا إلى الأورال أكبر بكثير مما يعنيه الاتحاد النقدي. وتمثل أوروبا فكرة حضارية وثقافية. وقدر تعلق الأمر بالاتحاد الأوروبي فإنه اتحاد اقتصادي. ولا شيء من هذه الأمور سيفشل في حال فشل اليورو لأن تاريخ النجاح الحقيقي للمجتمع الأوروبي كتب في الفترة الممتدة ما بين 1945 و1999- أي نصف قرن من السلام والنمو الاقتصادي ونمو العمالة والضمان الاجتماعي وغير ذلك. كل تلك الأمور وضعت الأسس المتينة لتوحيد العملة، ولكي نحافظ على تلك الإنجازات وعلى تلك القيم المتحققة لا يمكننا القول إنها مرتبطة بالعملة المشتركة. نعم ان تكون لدينا عملة مشتركة أمر جيد وأمر جميل ولكنها لا تمثل ضرورة على الإطلاق.
س- احدى النقاط المثيرة للجدل حول كتابك هو تطرقك إلى "الهولوكوست" التي تعتبرها أنت سببا في عقدة الذنب الألمانية، وكذلك سببا وراء التزام ألمانيا تجاه توحيد أوروبا.. السؤال الذي أريد طرحه: ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه التاريخ والسياسة في القرارات المالية، هل تلك القرارات مبنية على حسابات رياضية أم على حسابات تاريخية؟
ج- ما يثير قلقي هو أننا اتخذنا قرارات ومازلنا نصدر قرارات أخرى اقتصادية ومالية غير صائبة ولا تصب في النهاية في مصلحة جميع أعضاء الاتحاد النقدي لأننا نشعر بأن تاريخنا هو المحرك الرئيسي والدافع الأساسي لاتخاذ مثل تلك القرارات.
س- مع اختلاف أخلاقيات العمل ومع الاختلاف في عادات الإنفاق والادخار بين شعوب أوروبا داخل أوروبا الموحدة، كيف يمكن لمثل هذه الثقافة والذهنية المختلفتين أن تلعبا دورا في اتخاذ القرارات المالية والاقتصادية؟
ج- الثقافة المختلفة تحتاج إلى نظم مختلفة. وهذا هو الخطأ الكبير في عملية التنظيم وفي مفهوم الاتحاد النقدي. وأعني هنا أننا طبقنا قرارات معاهدة ماسترخت المبنية على ثقافة دول معينة مثل هولندا والنمسا وألمانيا، ولكنها لا تتلاءم مع ثقافة إسبانيا أو إيطاليا أو فرنسا. إن ثقافة الجنوب هي ثقافة تتعامل بشكل مختلف مع الصراعات الاجتماعية ولذلك هي بحاجة إلى تضخم أكبر كي تتمكن من العمل بشكل ملائم أكثر.