شاهد على الحرب...اناتولي مولتشانوف
مع اقتراب حلول الذكرى الـ 65 لانتهاء الحرب الوطنية العظمى يسرنا في "روسيا اليوم" ان نضع بين ايدي القراء الكرام سلسلة مشوقة مستقاة من مجموعة ذكريات لمن بقي على قيد الحياة من المشاركين في تلك الحرب(1941 - 1945) ضد الفاشية و النازية:
مع اقتراب حلول الذكرى الـ 65 لانتهاء الحرب الوطنية العظمى يسرنا في "روسيا اليوم" ان نضع بين ايدي القراء الكرام سلسلة مشوقة مستقاة من مجموعة ذكريات لمن بقي على قيد الحياة من المشاركين في تلك الحرب(1941 - 1945) ضد الفاشية و النازية:
لعلكم تتصورون يوم الحادي والثلاثين من ديسمير/كانون الأول... عيد رأس السنة. فيه تحصل أحيانا أمور خارقة للعادة لا تفسير لها من الناحية العلمية والنفسانية. في تلك الليلة من عام الف وتسعمائة وواحد واربعين رأيت في المنام وكأنني ذاهب لأجلب الماء من حفرة في جليد قناة فانتانكا في لينينغراد. أنا أذهب لجلب الماء عادة بالزحافة، ولكن بإبريق الشاي وليس بالدلو.
كان عندنا ابريق نحاسي كبير، لكنه على اية حال اصغر من الدلو. فأنا لا استطيع ان احمل الدلو لصغر سني وبسبب الهزال والجوع. ذهبت، إذن، لأجلب الماء بإبريق الشاي. وهو لا يدخل الفجوة المحفورة في الجليد، لأنها صغيرة وقاعدة الإبريق أكبر منها. ثم ان الصنبور ناتئ من جنبه. ولذا اضطر ان اغترف الماء بكوب معدني مرات ومرات. كنت آخذ الكوب معي خصيصا لهذا الغرض. انحني على الحفرة واغترف الماء منها كل مرة.
وفكرت في نفسي: يا ليتني اغترف مع الماء سُميكة لا لآكلها، بل لتحقق رغباتي وتنفذ اوامري كما في القصة الروسية عن الصياد والسمكة الذهبية. لو حصل ذلك لأمرتها قبل كل شيء ان تجعل الإبريق المملوء بالماء يمضي الى بيتنا بنفسه. أصفق يدا على يد واقول: "إفتح يا سمسم! وانت يا ابريق إذهب الى البيت بأمر السمكة السحرية".
إنحنيت على الحفرة من جديد لأغترف الماء بالكوب، وعندما رفعت رأسي لم أجد الإبريق جنبي. فأين هو يا ترى؟ تلفتّ حولي فرأيت إبريقي على الزحافة وهي ماضية به على الجليد الى البيت بذاتها. ركضت لألحق بالزحافة. وبينما كنت اتسلق ضفة القناة وصل الإبريق على الزحافة الى قارعة الطريق. ومضت به، وانا ألاحقها، حتى وصلنا الى جادة زاغورودني. فرأيت هناك حافلات الترام متعطلة بسبب اكوام الثلوج.
وفكرت من جديد: سآمر الحافلات المتعطلة ان تتحرك. وصفقت بيدي وقلت: "افتح يا سمسم! وتحركي يا حافلات رغم أكوام الثلوج!". فأنتفضت عربات الترام ونفضت اكوام الثلج عن سطوحها وجوانبها وتحركت الى الأمام. وفكرت في نفسي: "ماذا علي ان اطلب الآن؟ سآمرهم بزيادة حصتنا من رغيف الخبز"، فصفقت وصحت: "افتح يا سمسم!" .. واستيقظتُ على صيحتي. وأخذتْ مني الحسرة ُ مأخذها.
ففكرت في أسف شديد: "لماذا استعجلت الى هذا الحد؟ كان يمكني ان اطلب ليس مجرد خبز، بل آمر بإنهاء الحرب وبعودة أبي من الجبهة". وفجأة سمعت خطى ماما في الدهليز. كانت عائدة من المخبز. وخيل الي ان خطواتها سعيدة مرحة. دخلت ماما وقالت من العتبة: "انهض واسمع الخبر السعيد. زادوا حصتنا من الخبز". ووضعت كيس الرغيف على الطاولة. ورأيت بالفعل ان الكمية ضعف ما كانت عليه يوم امس تقريبا. وأضافت ماما فرحة : "الناس هناك مسرورون ، يتعانقون مهنئين بعضهم بعضا". وتلفتّ ُ ونظرتُ حواليّ وخيل إلي ان ما رأيته في المنام لا يزال مستمرا . كل ما أراه، وهذا الكيس، مجرد حلم لا غير...