مصري المولد .. روسي الروح
في تكريم ذكرى عبدالملك خليل الصحفي المصري الذي احب روسيا كما يحبها الروس. لقد عمل على مدى 35 عاما مديرا لمكتب "الاهرام " بموسكو ، وكان قلبه موزعا بين شطرين وهب نصفه الى وطنه والنصف الآخر الى روسيا.
في تكريم ذكرى عبدالملك خليل الصحفي المصري الذي احب روسيا كما لا يحبها سوى الرجل الروسي. لقد عمل على مدى 35 عاما مديرا لمكتب "الاهرام " بموسكو ، وكان قلبه موزعا بين شطرين، وهب نصفه الى وطنه والنصف الآخر الى روسيا.
في 21 ديسمبر /كانون الاول اقيمت في الملحقية الثقافية في السفارة المصرية بموسكو أمسية تأبينية لتكريم ذكرى الصحفي عبدالملك خليل الذي وافاه الاجل منذ فترة وجيزة. وجمعت الذكريات حول هذا الرجل الطيب الخصال الذي جبل عليها وقوامها الاريحية. وكان يحب اكثر من اي شيء في الدنيا معاشرة الناس والاصدقاء والزملاء من روس ومصريين وصحفيين اضافة الى الدبلوماسيين العرب العاملين بموسكو.
لقد شب الكثيرون منهم على مطالعة مقالات عبدالملك خليل. ويرتبط كل ما نشر في "الاهرام" في الفترة منذ السبعينيات عن الاتحاد السوفيتي ولاحقا عن روسيا باسمه وبتعليقاته من موسكو وحول موسكو والتي كانت تبث من الاذاعة والتلفزيون.
وقال جميع الذين جاؤوا الى الملحقية الثقافية، الى امسية تأبين عبدالملك خليل، انه " كان حلقة وصل بين شعبين وبين ثقافتين ومارس دورا بارزا في العلاقات بين البلدين".لقد كان عبدالملك رجلا حلو السجية طيب المعشر ومتواضعا جدا ، وعرف كيف يثمن محدثه، ويبدي الاعجاب بالآخرين ، اضف الى ذلك فان سيرته الذاتية نفسها جديرة بالاعجاب والاقتداء بها.
وقالت تاتيانا ارملة عبدالملك في الامسية " كان رجلا صريحا، ولكن كان لديه في دخيلة نفسه عالمه الخاص الذي تضمن الكثير من الاوجاع والالام".
لقد فقد عبدالملك والديه في طفولته المبكرة ، وامضى فترة ستة اعوام في السجن حين كان طالبا في السنة الأخيرة في الجامعة بسبب انتمائه لمنظمة شبابية يسارية، وكان من جيل الرومانسيين والمثاليين ، والفلاسفة والثوريين، والعصاميين.
وكان الاتحاد السوفيتي بالنسبة للكثيرين منهم تجسيدا للمثل الاعلى والحلم. ومما له دلالة بالغة ان عبدالملك غادر السجن وتخرج من الجامعة في العام الذي زار فيه نيكيتا خروشوف القاهرة وافتتح سوية مع جمال عبدالناصر السد العالي في اسوان .. . واصغى يومئذ الى الشعارات الصاخبة والمبادرات العظيمة والقسم على الوفاء للصداقة بين الشعبين.
وشهد عبدالملك الذي بدأ حياته الصحفية بالعمل في صحيفة " الاخبار"، صعود وانهيار الصداقة السوفيتية – المصرية ، والعناق الودي وعهد الاغتراب ، وفيما بعد المحاولات لاستعادة ما فقد. لقد احب عبدالملك الاتحاد السوفيتي واعجب به ، لكنه شهد انهياره ، واعتاد سوية مع السوفيتيين على الحياة في البلاد الجديدة – روسيا ، وتألم واحب مثل جميع ابنائها.
وأشار الكثير من الحاضرين في الحفل التأبيني لعبد الملك خليل الى ان تفهمه العميق للحياة في روسيا كان قد اكتسبه من زوجته الروسية تاتيانا ، وشاهد كل ما يدور في البلاد بعيون ابنائها. لقد عاش فيها وقاسمها احاسيسها.
وترددت في الامسية باستمرار في وصف عبدالملك كلمات مثل الحب الى جانب الموهبة وسعة الاطلاع. ويمكن ان تؤلف الكتب حول كيف احب عبدالملك روسيا
وكذلك عن قصة حبه لتاتيانا. ففي اعوام الستينيات البعيدة اجتاز المصري عبدالملك والمواطنة السوفيتية تاتيانا الكثير من العقبات الكأداء لكي يصبحا زوجا وزوجة . ففي تلك الاعوام كان الزواج من اجنبي والسفر الى خارج الاتحاد السوفيتي من المحرمات بالنسبة الى المواطنين السوفيت. وكتب الدبلوماسيون من اجل عبدالملك وتاتيانا الرسائل الى المراجع العليا ، وارسلت بالبريد البدلوماسي الوثائق اللازمة من موسكو الى القاهرة.لكن الحب اجتاز كافة العقبات وسافرت تاتيانا الى القاهرة للقاء زوجها. وبعد ذلك تواصل العمل على مدى 35 عاما في مكتب " الاهرام" بموسكو. وقالت تاتيانا لدى استعراض ذكرياتها عن زوجها :" لم يكن ذلك بالنسبة له مجرد عمل بل اداء خدمة وابلاغ رسالة ". خدمة الحقيقة كما كان يراها ويتفهمها ، وخدمة الحلم والفكرة. ولم تكن مقالاته تتضمن انطباعاته الشخصية فحسب، ورؤيته ايضا بصدد ما يجري من احداث ،بل تضمنت التحليل الثاقب وعمق الفلسفة..
في هذه الامسية ابدى الجميع تكريمهم وامتنانهم لذكرى الرجل الذي بنى جسور الصداقة ، والذي عرف كيف يحب ، يحب وهو يرى جميع النقائص ويثمن الفضائل. لقد علم عبدالملك المصريين حب روسيا وجميع من يلقاه في درب الحياة ، ويمنحه سخاء روحه.
ولابد من ابداء التقدير والاحترام لقيام السفارة المصرية بمبادرة ودعم السفيرعزت سعد والمستشار الثقافي في السفارة مجدي الياس بأقامة هذه الامسية التأبينية واتاحة الفرصة للجميع لأبداء الشكر الى الرجل والصحفي عبدالملك خليل لوجوده بين ظهرانينا.