مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الثالثة - الأكميزمية
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الثانية - العهد الفضي في الشعر الروسي وأهم تياراته الإبداعية (الرمزية)
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الرابعة - المستقبلية
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة السادسة - الثلاثينيات
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الخامسة - العشرينات
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة السابعة – الأربعينات
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الثامنة - منذ نهاية الحرب وحتى نهاية الستينات
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الأولى - إجمال مختصر
الأكميزمية
بدأت إرهاصات الأكميزمية منذ عام 1909 ،أي منذ أن بدأت الرمزية بالتراجع ، وقد توضحت بوادرها من خلال مقالات سيرغي غاراديتسكي ونيقولاي غوملييف اللذين بشرا بها كاتجاه فني متميز، وحاولا جعلها بديلا عن الرمزية مع التنويه الضمني بأن الأكميزمية هي تطوير للرمزية التي شاخت ، وكانت الأكميزمية عمليا إحدى التجليات الإبداعية على الردة المعاكسة الاستبدادية سياسيا إثر ثورة 1905 ، ولكن في إطار الانطوائية والابتعاد عن الهموم اليومية ، في الوقت الذي بدأت الواقعية تتعمق في الرواية والمسرح، فيما استمر تشظي المشهد الشعري عموما ، وذلك في محاولة لإيجاد بديل جدي عن الرمزية، وكرفض ضمني وعلني أحيانا لتبني التوجهات الواقعية التي لم تستطع هي الأخرى تمثل المرحلة الإرهاصية بكافة أبعادها.
لكن ظهور الأكميزمية كتيار واضح المعالم كان عام 1913 ومن أشهر شعراء الأكميزمية إلى جانب نيقولاي غوميلييف ، وسيرغي غاراديتسكي وآنا أخماتوفا وأوسيب ماندلشتام و ميخائيل كوزمين وبوريس سادوفسكي الذين حلقوا في صورهم كالرمزيين ولكن إلى سماء أخرى
..فقد قدس الأكميزميون الطبيعة والفطرية والانبعاث الوجودي الأول، وأطلقوا على أنفسهم اسم الآدمزمية ،نسبة إلى الإنسان الأول على الأرض يقول كوزمين:
مثل أمواج البحر عند الصخرة
الأمواج الزرقاء المعتمة عند صخرة بيضاء
وهي تضج من الكآبة مستوحشة
هكذا هي أمواج تأججي المعتم
قرب جمالك البارد تتطاير متهالكة بلا عدد
ويزداد الغيهب كثافة في أعماقي
كما في العتمة البكر بلا نجوم
كما رفض الأكميزميون الثنائية التعبيرية - التي كانت محورية عند الرمزيين- داعين للتوجه نحو الفطرية في التعبير الابداعي ،إلا أنهم قدسوا الكلمة كمادة لهذا الإبداع ، ودعوا إلى التفرغ والاهتمام بالفن كورشة عمل، وطالبوا عمليا بالابتعاد عن الواقع وصراعاته انطلاقا من أن الشعر هو هاجسهم الوحيد، وهم إذ دعوا إلى العودة إلى الفطرية والطبيعة فبمعناها المطلق بعيدا عن الواقع الاجتماعي، لدرجة أنهم ولعوا برصد التكوينات الحجرية للمعابد والهياكل كما لدى أوسيب ماندلشتام:
يتلاعب قوس حجري متصالب بعضلاته
ولكن المخطط السري ينكشف لذاته من داخله
هنا حيث قوة القناطر المضفورة انهمكت
كي لا تتهاوى التجمعات البنائية الثقيلة
وتحلق الشعراء الأكميزميون حول مجلة "أبولو" وعبرها كانوا يوجهون الانتقادات الحادة للرمزية والمستقبلية على حد سواء، وشدد الأكميزميون على ضرورة الابتعاد عن الأفكار العقائدية، كما رفضوا أن يكون للنقد أية صلة بالفلسفة ، واعتبروا الفطرية ومطواعية السياق الشعري ووضوحه أهم ما يميزهم عن الرمزين، وهي مقاييس يصعب تحديد مداها مما يعني أن الرغبة في التمايز كانت أكبر من واقعها.
وكان بديهيا أن يرد الشاعر الرمزي الكبير الكسندر بلوك على ما وصفه بترهات الأكميزمية ، واعتبر ممثليها فقراء الموهبة، وأنهم يغرقون في مستنقع رطب وأن حلمهم دون رؤى، وهم يبتعدون عن الحياة فاقدين للروح.. والحقيقة أن توجهات الأكميزمية كانت مليئة بالجزع والإحساس بالضآلة أمام جبروت الموت والقدرية والطبيعة حتى أن أخماتوفا ترى الجزع والاستسلام له حقيقة واحدة:
ادفنيني ، أدفنيني أيتها الرياح
فأحبائي لم يأتوا
يحتويني مساء شارد
وتنهد التراب الهادئ
لقد كنت حرة مثلك
ولكني أردت الحياة بقوة
ألا تري تابوتي البارد
ويدي اللتين لن تفيدا أحدا
ظل ممثلوالأكميزمية يدافعون عن الفن للفن، وانطلقوا من أن الغموض يلف العالم تماما ، وعليهم أن يتوقعوا لا كل يوم بل كل ساعة ما يمكن أن يكون في الساعة التالية بالنسبة لهم وللعالم أجمع ، مما كرس سمة الفوضوية في نتاجاتهم وعدم الوضوح في توجهاتهم ،ثم تمايز الأكميزميون فيما بينهم وتشتت تجمعاتهم ،وانحسر هذا التوجه شيئا فشيئا بُعيد الثورة البلشفية.