بوتين:ان النزاعات الاقليمية والعسكرية تصرف انظار الناس عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية

تحميل الفيديو
انسخ الرابطhttps://arabic.rt.com/news/25062/

أعلن فلاديمير بوتين رئيس وزراء روسيا الاتحادية في خطابه امام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس ان الازمة في عصر العولمة مست الجميع – فقد اصبحت جميع البلدان بغض النظر عن نظامها السياسي او الاقتصادي في مركب واحد.كما تطرق الى اسباب وعواقب الازمة الاقتصادية العالمية وطرح رؤيته لكيفية مكافحتها.

أعلن فلاديمير بوتين رئيس وزراء روسيا الاتحادية في خطابه امام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس ان الازمة في عصر العولمة مست الجميع – فقد اصبحت جميع البلدان بغض النظر عن نظامها السياسي او الاقتصادي في مركب واحد.كما تطرق الى اسباب وعواقب الازمة الاقتصادية العالمية وطرح رؤيته لكيفية مكافحتها.

نورد ادناه النص الكامل للخطاب:

خطاب فلاديمير بوتين رئيس وزراء روسيا الاتحادية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يوم  28 يناير/كانون الثاني 2009

ايها المشاركون المحترمون في المنتدى الاقتصادي العالمي،

سيداتي وسادتي،

 شكراً على كلمات الاطراء بحق روسيا ، ويسعدني ان تتاح لروسيا فرصة الحديث هنا عن مشاكل الاقتصاد العالمي في مرحلته الصعبة جداً. ولا يسعد منظمي هذا المنتدى التطرق الى الماضي ، الى اسباب نشوء الازمة الاقتصادية الراهنة ،وسف لن اتعمق في الحديث عن هذه القضية ، ولكن السكوت عن الاسباب التي قادت الى الوضع الراهن لا يسمح لنا في ايجاد الدواء لهذه الازمة .

 اعرب عن امتناني الى منظمي المنتدى على اتاحتهم الفرصة لي لكي ادلي بأرائي حول ما يجري في الاقتصاد العالمي وفي الاقتصاد الروسي .. واتحدث عن خططنا واقتراحاتنا.

بوتين : خسائر الشركات الاستثمارية الامريكية خلال عام تفوق جميع ارباحها خلال ربع قرن

لقد واجه العالم اليوم  أول ازمة اقتصادية شاملة حقيقية.علما ان سرعة وتيرة تطور مظاهر الازمة قد ضربت جميع الارقام القياسية.
وغالبا ما تجري مقارنة الوضع الحالي بفترة الركود الكبير في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي. وثمة تشابه في الوضع فعلا.


لكن توجد اختلافات مبدئية ايضا. ففي عصر العولمة مست الأزمة الجميع – فقد اصبحت جميع البلدان بغض النظر عن نظامها السياسي او الاقتصادي في مركب واحد.
وثمة مفهوم شائع هو- العاصفة المثالية. فحين تعصف الزوابع في الطبيعة تتركز في نقطة واحدة من المحيط وتتضاعف قوتها التدميرية بعدة أمثال. ويبدو ان الازمة الحالية هي بالذات " العاصفة المثالية".
ويجب ان يستعد لها من يتحلى بالمسئولية وبالمعرفة من رجال السياسة والاقتصاد. لكنها تحدث في كافة الاحوال – انها تأتي بغتة ودون انتظار. وهذا ما حدث في هذه المرة. لقد كانت الأزمة واقفة عند عتبة الباب بكل معنى الكلمة.لكن الاغلبية  لم ترغب في رؤية الموجة الزاحفة.

وفي الاشهر الاخيرة  كانت جميع الاحاديث عمليا حول موضوع الازمة تبدأ بتوجيه الانتقادات الى ما جرى فى الولايات المتحدة. لكنني  لا اود هنا التعمق في هذه القضية .

بل اعيد الى الاذهان فحسب انه ترددت من هذا المنبر قبل عام اقوال المندوبين الامريكيين حول الاستقرار التام والآفاق الواعدة بلا سحب سوداء التي تنتظر  أقتصاد الولايات المتحدة. واليوم لم يعد هناك وجود للبنوك الاستثمارية التي كانت مبعث فخر وول ستريت. انها اضطرت للأعتراف بأنها تكبدت خلال عام خسائر تفوق جميع ارباحها خلال ربع قرن. وهذا المثال وحده يعكس بشكل أفضل من اي نقد الوضع الفعلي للأمور.

ماهي أسباب الازمة المالية العالمية؟

لقد حان الاوان للتبصر. وينبغي ان تدرس بهدوء وبدون اي شماتة الاسباب العميقة لما حدث وان يتم السعي للتطلع نحو المستقبل.

ومن وجهة نظرنا فان الازمة ولدت بسبب عدة عوامل مجتمعة معا دفعة واحدة.

انها فشل النظام المالي القائم.  بنتيجة المستوى المنخفض للتحكم. ولهذا اضحت المخاطر الجسيمة خارج نطاق الحساب اللازم.

انها تتمثل في مظاهر الاختلال الهائلة في التوازن الناشئة في الاعوام الاخيرة. وبالدرجة الاولى عدم التوازن بين نطاقات العمليات المالية والقيمة الاساسية للأصول.. وبين الضغوط المتنامية على القروض الدولية ومصادر توفيرها.

وحدث  خلل خطير في منظومة النمو الاقتصادي  العالمي نفسها -  حيث يقوم  مركز اقليمي  واحد بطبع النقود بلا توقف ويستهلك الخيرات. بينما يقوم مركز آخر بأنتاج السلع الرخيصة ويدخر النقود التي تطبعها الدول الاخرى.

وأضيف الى ذلك ان مناطق كبيرة من العالم  ومنها اوروبا  اضحت في هذه المنظومة بمثابة اقاليم ريفية منعزلة في العمليات الاقتصادية العالمية. ومعنى ذلك انها بعيدة عن اتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية الرئيسية والحيوية.

علاوة على ذلك لقد تم توزيع الرخاء الناشئ بصورة غير متناسبة جدا.. سواء بين شرائح السكان في دول معينة – حتى الدول العالية التطور.. ام بين مختلف بلدان ومناطق العالم.

وما زالت غير متوفرة بالنسبة الى قسم كبير من البشرية كالسابق المساكن المريحة والتعليم والخدمات الطبية الكفوءة.  علما ان النهوض العالي الذي  حدث في الاعوام الاخيرة لم يغير الوضع بصورة جذرية.

وفي خاتمة المطاف ان هذه الازمة نشأت عن التوقعات المبالغ فيها. فقد تضخمت بشكل غير مبرر مطامع الشركات بصدد  تنامي الطلب بأستمرار. وغدا التهافت على مؤشرات الاوراق المالية ورؤوس الاموال يهيمن بجلاء على زيادة الانتاج والمردود الفعلي للشركات.

ومما يؤسف له ان تضخيم التوقعات قد ساد ليس في اوساط رجال الاعمال فقط. أنه أثر في النمو السريع لمعايير الاستهلاك الشخصية – ولا سيما في البلدان المتطورة. فهذا النمو لم يكن مدعوما ، ولنقل هذا بصراحة ، بالامكانيات الواقعية. ان هذا الرخاء لم يكتسب بالعمل.  بل انه الرخاء  الذي تحقق بالدين الواجب تسديده من قبل الاجيال القادمة.

وكان لابد ان ينهار " هرم التوقعات" هذا كله ان عاجلا او آجلا. وهذا ما يحدث امام سمعنا وبصرنا .

ينبغي تفادي مغريات الحلول البسيطة في معالجة الازمة

ايها الزملاء المحترمون

من المعروف ان مغريات طرح حلول سهلة تحظى بالشعبية تكون قوية في فترة الازمات.  لكن اذا ما عالجنا اعراض المرض فقط فيمكن في النتيجية ان نحصل على مضاعفات أشد لاحقا.

ولا يماري أحد في ان من واجب حكومات جميع البلدان وزعماء البزنيس ان يعملوا بأقصى الحزم.  بالاخص حتى في الظروف الاستثنائية هذه ، ومن المهم تجنب القيام بخطوات  قد يؤسف لها في المستقبل.

ولهذا بودي ان ابدأ بذكر ما لا يجب القيام به حسب رأينا. وبما نعتزم الامتناع عنه في روسيا.

لا يجوز السماح لأنفسنا بالانحدار الى وضع الانعزالية والانانية الاقتصادية الجامحة.  وقد اتفق زعماء الكيانات الاقتصادية الكبرى في العالم في اجتماع  قمة " العشرين الكبار" على التخلي عن اقامة الحواجز  في طريق التجارة العالمية وحركة رؤوس الاموال. وروسيا تشاطر هذه المبادئ.

ويجب علينا ان نعرف حدودنا والا نتجاوزها حتى اذا ما بدا شيئا حتميا في ظروف الأزمة وجوب تشديد تدابير الحماية الجمركية بقدر معين.

اما الخطأ المحتمل الثاني  فهو الغلو في التدخل في الحياة الاقتصادية.. والايمان الاعمى بجبروت الدولة.

حقا ، ان تقوية دورها في ظروف الازمة هو رد الفعل الطبيعي على الاخفاقات في السوق.  لكن بدلا من العمل على تحسين آليات السوق ظهرت المغريات لتوسيع مشاركة الدولة  المباشرة الى اقصى حد في الاقتصاد.

اما الجانب المعاكس لتدابير مكافحة الازمة فهو في جميع البلدان تقريبا يتمثل بالغلو في تركيز الاصول المالية بأيدي الدولة.

وقد وصل دور الدولة في الاتحاد السوفيتي في الاقتصاد في القرن الماضي الى حد اللامعقول. وأدى هذا في نهاية المطاف الى جعل الاقتصاد كله غير قادر على المنافسة. وكلفنا هذا الدرس ثمنا غاليا. وانا على ثقة بأنه لا يريد احد تكراره.

ولا يجوز ان نغمض اعيننا عن انه يجري في الاشهر الاخيرة فقدان روح ادارة الاعمال. وبضمن ذلك فقدان المسئولية الشخصية لرجل الاعمال والمستثمر والمساهم عن قراراته نفسه. ولا تتوفر اية مسوغات للأعتقاد بأن من الممكن  تحقيق نتائج أفضل بألقاء المسئولية على الدولة.

وثمة أمر آخر هو ان مكافحة الازمة يجب الا تتحول الى نزعة شعبوية مالية والتخلي عن السياسة المسئولة لأقتصاد الجملة. ان زيادة العجز في الميزانية غير المبرر وتراكم ديون الدولة هما من الامور الهدامة مثل  مغامرات اللعب بالاوراق المالية.

اربع خطوات لمعالجة الازمة الاقتصادية

سيداتي وسادتي

اننا ما زلنا وياللأسف بعيدين عن تفهم النطاقات الحقيقية للأزمة.  لكن من الواضح بجلاء هو ان عمق وتواصل الركود المديد يتوقفان لحد كبير على مدى الدقة التي نحدد بها اتجاهات العمل، وعلى مدى التوافق والكفاءة المهنية في عملنا.

وبرأينا ان اول شئ يجب القيام به في الوقت القريب هو طي صفحة الماضي بمعنى الكلمة الواسع. وكما يقال  يجب ان " نكشف اوراقنا". وان نبين الوضع الفعلي للأمور.

ويجب على البزنيس ان يشطب الديون الميئوس منها والاصوال " الرديئة". حقا ان هذا يعتبر عملية  مؤلمة وغير سارة جدا. ولا يقدم الجميع على هذه الخطوة خشية فقدان رؤوس اموالهم وارباحهم الاضافية او مكانتهم.

لكن التهرب من تطهير الموازنة  يعني " تجميد" او اطالة أمد الازمة.  واعتقد ان آلية الشطب يجب ان تكون فعالة وان تتفق مع الاوضاع القائمة في اقتصاد اليوم.

ثانيا ، حان الوقت الى جانب تطهير الموازنة للتخلص من النقود الوهمية والتقارير المضخمة والتصنيف المشبوه لمراتب المؤسسات والشركات. ويجب ألا تبقى في أسر الاوهام التصورات بصدد حال الاقتصاد العالمي والوضع الفعلي للشركات . وذلك  حتى اذا كان اصحاب هذه التصورات من رجال مكاتب المحاسبة القانونية والرقابة والتحليل الكبرى.

ويكمن جوهر اقتراحنا  في انه يجب ان يرسى في أساس اصلاح معايير المحاسبة القانونية والرقابة  وتقارير المحاسبة ومنظومات تصنيف مراتب الشركات والمؤسسات العودة الى مفهوم  القيمة الاساسية للأصول. اي ان تقييم هذا البيزنيس او ذاك يجب ان يقوم على أساس قدرته على توليد القيمة  الاضافية، وليس على اساس مختلف انواع التصورات الذاتية. وبرأينا  ان اقتصاد المستقبل يجب ان يغدو اقتصاد القيم الفعلية والواقعية. اما كيفية بلوغ ذلك فهي مسألة مطروحة للبحث. ودعنا نفكر فيها سوية.

ثالثا ، ان التبعية المفرطة ، في جوهر الامر، الى عملة احتياطية وحيدة هو امر خطر بالنسبة الى الاقتصاد العالمي.  ولهذا سيكون من المناسب دعم العملية الموضوعية لظهور عدة عملات احتياطية قوية في المستقبل. وحان الوقت  لبدء الحوار الملموس حول كيفية جعل الانتقال الى النموذج الجديد انسيابيا ولا رجعة فيه.

رابعا ، ان غالبية البلدان تودع احتياطياتها الدولية بالعملات الاجنبية.  وبودها ان تكون واثقة من ضمانيتها. وبدورها فأن بلدان الاصدار النقدي التي تمتلك العملات الاحتياطية والحسابية لها موضوعيا مصلحة في ان  تحظى عملاتها النقدية بالاقبال لدى الدول الاخرى.

اي يبدو جليا للعيان الاهتمام المتبادل والتبعية المتبادلة في التعامل.

لهذا فان من المهم من الناحية المبدئية  توفر انفتاح اكبر في السياسة الائتمانية والنقدية لبلدان اصدار العملات النقدية الاحتياطية. زد على ذلك يجب على هذه البلدان  ان تلتزم بالاسترشاد بالقواعد الدولية  للأنضباط في مجال اقتصاد الجملة والشئون المالية. ومن وجهة نظرنا فأن طرح المسألة بهذه الصورة لا يعتبر نافلا.

من جانب آخر فأن من الواجب ان يطال التغيير ليس فقط هيكلية الماليات العالمية. ان دائرة القضايا اوسع من هذا بكثير.

والمقصود بالأمر ان يحل محل النظام الوحيد القطب الذي عفا عليه الدهر في الاقتصاد العالمي نظام يقوم على أساس التعاون بين عدة مراكز كبرى.

ولكن  من اجل الا يصبح مثل هذا العالم المتعدد الاقطاب عالم الفوضى وعدم الوضوح في التنبؤ ينبغي القيام بتعزيز منظومة عوامل التحكم العالمية القائمة على أساس القانون الدولي ومجموعة من الاتفاقيات المتعددة الاطراف.  ولذا فمن المهم  ان يعاد النظر في مغزى دور المنظمات والمؤسسات الدولية الكبرى.

وتخالجني القناعة بأننا سنتمكن من بناء صرح اقتصادي عالمي اكثر عدالة وفعالية. ولا يمكن في اطار خطابي اليوم ان احدد وأرسم جميع ابعاده بالتفصيل.

لكن من الواضح ان جميع البلدان  يجب ان تتمتع في مثل هذه المنظومة بالقدرة على الحصول على موارد ادامة الحياة بشكل مضمون. وكذلك الحصول على التكنولوجيات الجديدة ومصادر التنمية. ويجب ان تصاغ الضمانات التي من شأنها ان تتيح تقليل مخاطر حدوث ازمات جديدة الى  أدنى حد ممكن.

طبعا يجب علينا ان نواصل مناقشة جميع هذه المواضيع وبضمن ذلك في اطار لقاء مجموعة" العشرين الكبار" في لندن في ابريل/ نيسان القادم.

خطر نقص موارد الطاقة

ان القرارات التي سنتخذها يجب ان تكون متناسبة مع الوضع الراهن ، كما يجب ان تراعي متطلبات العالم الجديد.. عالم ما بعد الازمة.

وقد يواجه الاقتصاد العالمي في مرحلة الخروج من الازمة نقصا في موارد الطاقة. وربما يصبح معرضا لخطر " ضمور" النمو مستقبلا.

اننا طرحنا قبل ثلاثة اعوام في قمة " الثمانية الكبار" مسألة الامن العالمي في مجال الطاقة.. ودعونا الى المسئولية المشتركة للبائعين والمستهلكين ولمن ينقل مواد الطاقة بالترانزيت. واعتقد ان الوقت قد حان لأطلاق الآليات الفعالة لهذه المسئولية بشكل حقيقي.

ان السبيل الوحيد  لضمان الامن العالمي في مجال الطاقة هو تكوين الترابط المتبادل ، وبضمن ذلك تبادل الاصول بدون اي تمييز او معايير مزدوجة . ان مثل هذا الترابط  المتبادل بالذات يولد المسئولية المتبادلة الفعلية.

ومما يؤسف له ان ميثاق الطاقة الحالي لم يصبح اداة عاملة ومؤثرة قادرة على تسوية الخلافات والمشاكل الناشئة.

وانا اقترح ان نعمل على اقامة قاعدة قانونية – حقوقية دولية جديدة في مجال امن الطاقة. ان تحقيق مبادرتنا يمكن ان يمارس دورا اقتصاديا يشبه تأثير عقد

 معاهدة تأسيس الاتحاد الاوروبي للفحم والصلب. اي ان نربط في نهاية المطاف بين المستهلكين والمنتجين في شراكة الطاقة الموحدة القائمة على قاعدة قانونية دقيقة وواقعية.

ويدرك كل واحد منا كل الادراك ان التقلبات الحادة وغير المتوقعة في اسعار المحروقات تمثل عامل زعزعة هائلة للأقتصاد العالمي.  ويمكن ان يقود تراجع الاسعار اليوم الى ازدياد استهلاك هذه الموارد بصورة غير رشيدة.

علما بأنه سيتم، من جانب تقليص، الاستثمارات في مصادر الطاقة البديلة الموفرة للطاقة. ومن جانب آخر سيتقلص توظيف الاموال في صناعة استخراج النفط وبالتالي سيقود الى ركودها حتما. وسينقلب هذا طبعا الى تنامي الاسعار الجامح وحدوث ازمات جديدة.

ينبغي العودة الى الاسعار المتوازنة المتكافئة القائمة على التوازن بين العرض والطلب. وينبغي تطهير مجال تحديد الاسعار الى اقصى حد  من تأثير عامل المضاربة الذي تولده الادوات المالية الكثيرة.

ويبقى ضمن المشاكل الكبيرة  تأمين نقل موارد الطاقة بالترانزيت. وتوجد عدة طرق  لحل هذه المشكلة. ويجب استخدامها كلها.

الطريقة الاولى هي التحول نهائياً الى مبادئ السوق المرعية لدى تحديد اجور خدمات الترانزيت.  ويجب ان تثبت في وثائق قانونية دولية ، وهذا يجب ان  يشمل الهيدروكربونات ، والطاقة النووية ، والطاقة الكهربائية .

والثانية – تطوير وتنويع مسارات نقل موارد الطاقة. ونحن نعمل منذ وقت بعيد وبنشاط في هذا المنحى. وقد جرى في السنوات الاخيرة بناء مشاريع مثل مشروع مد خط انبوب "يامال-اوروبا"، و"السيل الازرق" الى تركيا. ولقد بينت الحياة اهميتها وكفاءتها .

وانا على قناعة باهمية مشاريع  اخرى بالنسبة لاوروبا مثل خطي انابيب الغاز" السيل الجنوبي" (في قاغ البحر الاسود الى بلغاريا)  و" السيل الشمالي"( في قاع بحر البلطيق الى المانيا).  وتبلغ قدرتهما العامة التقريبية حوالي 85 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.ويقترح شركاؤنا الاوروبيون الان زيادة طاقة هذين الخطين ، ونحن ندرس هذا الاقتراح.

وستقوم " غازبروم" مع شريكاتها " شيل " و" ميتسوي" و" ميتسوبيشي" قريبا  بتشغيل مصانع ومؤسسات تسييل ونقل الغاز الطبيعي المستخرج في منطقة جزيرة ساخالين. وهذا يمثل ايضا رصيد روسيا في ضمان امن الطاقة في العالم.

ونحن نطور البنية الأساسية لخطوط انابيب النفط لدينا. وقد نفذت فعلا المرحلة الاولى من منظومة انابيب بحر البلطيق (بي-تي-اس -1). وستضمن هذه المنظومة تصدير حتى 75 مليون طن من النفط سنويا.مع العلم انه جرى ذلك في فترة قصيرة للغاية  حيث تم بناء ميناء  ومددت  اليه منظومة الانابيب . علما ان هذه الكمية ستصدر الى المستهلكين مباشرة عبر الموانئ الروسية في بحر البلطيق.  والآن يجري العمل  في تصميم ومد خط  "بي- تي – اس – 2" ( تبلغ قدرته التمررية – 50 مليون طن من النفط سنويا).وعلى العموم سيتم تأمين 140 مليون طن من النفط الى تلك المنطقة.

ونحن نعتزم اقامة بنية النقل الاساسية  في جميع الاتجاهات. وتوجد في المرحلة الختامية اعمال بناء المرحلة الاولى من منظومة الانابيب " سيبيريا الشرقية – المحيط الهادئ".  ومن المقرر ان يبلغ الخط نقطة النهاية في ميناء تحميل النفط  ومصنع التكرير  في منطقة ميناء فلاديفستوك. وفي المستقبل من الممكن ان يمدد  بصورة موازية لخط انابيب النفط خط لأنابيب الغاز بأتجاه المحيط الهادئ والصين.

وسنقوم سوية مع تركمينستان وكازاخستان بتنفيذ مشروع مد خط انابيب نقل الغاز عبر بحر قزوين.

وبودي ان اشير بشكل خاص الى انه عند تحقيق هذه المشاريع وغيرها  يتعين علينا ان نفكر قبل كل شيء بحماية البيئة ، ونحن في روسيا عندما نقوم بمثل هذه المشاريع نجري الدراسات اللازمة  ونخصص الاموال للحفاظ على سلامة البيئة.

تأثير الازمة الاقتصادية على روسيا

ولابد لي من التحدث في خطابي امامكم عن تأثير الأزمة العالمية في الاقتصاد الروسي. فقد مستنا هذه الأزمة ايضا بشكل خطير جدا.

ومع ذلك فقد اخترنا احتياطيات كبيرة بخلاف بلدان كثيرة. علما انها تزيد من امكانياتنا في المضي بثقة عبر فترة عدم الاستقرار العالمي.

لقد كشفت الأزمة المشاكل الموجودة لدينا. انها تتجسد في الغلو في التوجه نحو تصدير المواد الخام والاعتماد عليه في الاقتصاد عموما. وكذلك ضعف السوق المالية. ويطرح بحدة  أكبر مطلب تطوير عدد من مؤسسات السوق القاعدية وفي مقدمتها توفير مجالات المنافسة.

وقد عرفنا هذه المشاكل ونحن نصبو الى حلها بدأب. ان الأزمة ترغمنا فحسب على التحرك بنشاط أكبر بأتجاه الاولويات المعلنة ، دون تغيير الاستراتيجيا نفسها والتي يتمثل جوهرها في تحديث روسيا نوعيا خلال فترة 10 – 12 عاما القادمة.

ان سياستنا في مكافحة الازمة  موجهة نحو دعم  الطلب الداخلي والحماية الاجتماعية للسكان وتوفير فرص عمل جديدة. ونقوم شأننا شأن كثير من البلدان بتخفيض الضرائب على الانتاج مع الاحتفاظ بالنقود في الاقتصاد. كما نحدد نفقات الدولة بالشكل الأمثل.

لكن ، وأكرر ذلك ، نحن نعمل الى جانب اتخاذ التدابير العاجلة للتعامل مع الوضع الناشئ على اقامة  منصة الانطلاق من أجل التنمية بعد فترة الازمة.

وتخالجنا القناعة بأنه ستتصدر عملية اعادة بناء الاقتصاد العالمي الدول التي توفر الظروف الجذابة من اجل الاستثمار منذ الآن.

لهذا يندرج ضمن اولوياتنا تكوين الجو المناسب لعمل اوساط الاعمال وتطوير المنافسة.. وتكوين منظومة ائتمانية  مستقرة تقوم على توفير موارد داخلية كافية.. وتنفيذ المشاريع في مجال النقل وغيرها من مشاريع البنية الاساسية.

وتعتبر روسيا منذ الآن من كبار مصدري العديد من سلع المواد الغذائية. وسيزداد فحسب رصيدنا في ضمان الامن الغذائي في العالم.

كما سنطور بنشاط قطاعات المبتكرات الحديثة في الاقتصاد. وتتمتع روسيا بأفضليات المنافسة  قبل كل شئ في مجال الفضاء وصناعة الطاقة الذرية والطيران. ونحن نتعاون مع البلدان الأخرى تكنولوجيا في هذه الاتجاهات بنشاط. ويمكن ان يغدو مجال توفير الطاقة من بين المواضيع الواعدة في العمل المشترك ايضا . ونحن نعتبر اعلاء مستوى مردود الطاقة احد العوامل الرئيسية لأمن الطاقة والتطور في المستقبل.

ونحن نواصل الاصلاحات في صناعة الطاقة الوطنية. وادخال نظام جديد لتحديد الاسعار في الداخل يكون في أساسه تحديد اسعار مبررة اقتصاديا. وهذا أمر هام ضمنا من اجل تحفيز توفير الطاقة. وسنحتفظ بنهج الانفتاح امام الاستثمارات الاجنبية.

وانا اعتقد ان اقتصاد القرن 21 هو اقتصاد  البشر وليس المصانع.  فقد ازداد بما لا يقاس دور العامل الذهني في تطوير الاقتصاد العالمي. ولهذا نحن نخطط للتركيز على خلق فرص اضافية من اجل تحقيق المواطنين لقدراتهم.

كما اننا اليوم امة ذات تعليم عال. لكننا نحتاج الى ان يحصل المواطنون في روسيا على التعليم الاكثر كفاءة وحداثة..وعلى المهارات المهنية التي يمكن ان تستخدم على نطاق واسع في العالم المعاصر.  ولهذا سنعمل بأقصى نشاط  على تطوير البرامج التعليمية في البلاد.

وسنوسع تبادل الطلاب ونهيئ الظروف  من اجل ان يسعى للعمل في روسيا  خيرة العلماء والاساتذة والمدرسين – مهما كانت قومياتهم وجنسياتهم.

ان التاريخ يمنح بلادنا فرصة نادرة.  ويتطلب تطور الاحداث  منا بالحاح ان نعيد بناء اقتصادنا وان ندخل عنصر التحديث في الميدان الاجتماعي. ويجب ان تخرج روسيا من الازمة متجددة وأقوى واكثر قدرة على المنافسة.

النفقات العسكرية والازمة الاقتصادية

بودي التحدث بصورة منفردة عن القضايا التي تتجاوز اطار جدول العمل الاقتصادي البحت. لكنها تعتبر مع هذا حيوية جدا في الظروف الراهنة.

مما يبعث على الأسف  غالبا ما يتردد الرأي حول ان زيادة النفقات العسكرية  تساعد على معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية اليوم. والمنطق هنا بسيط للغاية . فأن الاعتمادات العسكرية الاضافية تقود بالطبع الى خلق فرص عمل جديدة، ولكن في المراحل الاولى .

يبدو للوهلة الاولى أن هذه وسيلة ناجعة لمكافحة الازمة والبطالة. ربما ان هذا الاجراء يكون ذا مردود ما على المدى القصير. اما في الواقع فان نزعة العسكرة لا تساعد على حل المشكلة بل تجعلها اكثر عمقا. فأن الموارد المالية والمادية الضخمة التي تنتزع من الاقتصاد يمكن ان تستخدم في مجال أفضل.

وتساورني القناعة بأن ضبط النفس المعقول في النفقات العسكرية سيعطي الى جانب تعزيز الاستقرار والامن في العالم منافع اقتصادية أكبر.

وأنا آمل  في ان تسود وجهة النظر هذه في العالم.  ونحن من جانبنا نصبو الى العمل بنشاط في مجال نزع السلاح.

وبودي أيضا ان ألفت الانتباه الى ان الازمة الاقتصادية يمكن ان تواجه تنامي النزعات العدوانية بشكل لا نظير له.. منها المغامرة العسكرية لجورجيا في القوقاز والعمليات الارهابية في الهند وتصعيد العنف في قطاع غزة.. قد تبدو هذه الاحداث غير مترابطة ببعضها البعض.  لكن تتراءى في تطورها  بعض السمات المشتركة.

ويرد في مقدمتها عجز الهيئات الدولية الموجودة عن طرح حلول بناءة للنزاعات الاقليمية، واجراء تسوية ذات نتيجة للخلافات بين القوميات والدول. وفي جوهر الامر تبين ان الآليات السياسية الكثيرة المتعددة الاطراف غير فعالة مثل هيئات التحكم المالي والاقتصادي في العالم.

ولنقل بصراحة ان استثارة عدم الاستقرار السياسي والعسكري والنزاعات الاقليمية الاخرى  تمثل وسيلة مريحة ايضا لصرف انظار الناس عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في هذا البلد او ذاك . كما لا يستثنى للأسف احتمال  وقوع مثل هذه المحاولات.

ويتعين علينا بغية تفادي مثل تطور الاحداث هذا ان نزيد كثيرا  فعالية منظومة العلاقات الدولية، وان نجعلها أكثر امنا واستقرارا.

وتوجد في جدول  العمل العالمي مواضيع حيوية كثيرة  تتطابق فيها موضوعيا مصالح غالبية البلدان. ومنها ازالة آثار الازمة الاقتصادية العالمية. والقيام بجهود مشتركة من اجل اصلاح المؤسسات المالية الدولية. وتحسين آليات التحكم وضمان الامن المتين في مجال الطاقة. وكذلك تخفيض حدة الازمة الغذائية في العالم، وهو امر لا يتراجع الى المرتبة الثانية البتة.

ان روسيا مستعدة للأسهام  برصيدها في معالجة المسائل ذات الاهمية الاولية الشاخصة امام المجتمع الدولي. ونحن نأمل في ان يبدي الاهتمام بالعمل المشترك والبناء جميع شركائنا – في اوروبا وآسيا وامريكا، وما اقصده هو الادارة الجديدة في الولايات المتحدة ، التي نتمنى لها النجاح .

يمكن ويجب مكافحة الازمة

ايتها السيدات والسادة المحترمون

ان مجموعة المشاكل الشاخصة امام المجتمع الدولي معقدة للغاية. ويبدو احيانا ان المستحيل معالجتها فحسب.  لكن كما جاء في القول المأثور الروسي" من مشى على الدرب وصل".

يجب علينا ان نبحث عن الركيزة في القيم المعنوية التي من شأنها ان تضمن تقدم حضارتنا. وما يكفل نجاحنا هو الشرف وحب العمل وروح المسئولية والايمان بقوانا.

ويجب الا نستسلم الى الكآبة . ويمكن ويجب مكافحة الازمة – عن طريق توحيد مواردنا الذهنية والروحية والمادية.

لكن تنسيق الجهود هذا غير ممكن بدون توفر الثقة  المتبادلة. ليس فقط بين اطراف الحياة العملية فقط. بل قبل كل شئ بين الدول.

ان الثقة والتضامن بالذات سيساعدنا على تجاوز الصعوبات الحالية.. وتفادي الهزات الكثيرة.. وابتغاء الازدهار والرخاء في القرن الحادي والعشرين.

وشكرا لكم على اهتمامكم .

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا