زحمة أعياد في سوريا المكلومة .. وهكذا صار عيد الأم "عطلة رسمية"
ثلاثة أعياد يعيشها السوريون، في يوم الحادي والعشرين من آذار: عيد الأم، وعيد المعلم، وعيد النوروز.
عيد الأم كان هو الطاغي حسب ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي التي غصت بصور الأمهات، وبالتهاني ذات الطابع الشخصي بالدرجة الأولى، بتلك المناسبة، وكذلك الاحتفال بالأم بوصفها "أم الشهيد" في بلد تستنزف أبناءه حرب مستمرة منذ ثمانية أعوام، ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد الضحايا ولا لعدد الذين هاجروا، أو العائلات التي توزع أفرادها في بلدان متعددة.
حالة من المشاعر الطاغية، والمتأججة التي رأى فيها بعض الكتّاب أنها "تعويض عن بلد ضاع" كما قال الكاتب والأستاذ الجامعي السابق منير شحود الذي كتب على صفحته على الفيسبوك:
"يا الله يا سوريين.. ضاع بلدكم ما فيه غير أمهاتكم تلجؤوا الهن".
وإضافة إلى الطابع الشخصي للمناسبة كان للاحتفال طابع عام، تمثل بأن استحضر البعض قصص نساء فقدن أكثر من ابن في الحرب، كذلك أعاد البعض نشر ما قالته والدة عمر أبو ليلى، الذي نفذ عملية طعن أسفرت عن مقتل جندي إسرائيلي.
النوروز .. "اليوم الجديد"
في أجواء مشابهة، جاء عيد النوروز الذي يحييه الكرد في 21 من آذار، وهو أيضاً "عيد تموز وبعل وكل آلهة الخصوبة في الشرق القديم" كما يقول الباحث عيد مرعي.
وكما طغت مشاعر الفقد على الاحتفال بعيد الأم، كذلك كان الحال بخصوص النوروز، إذ انطلقت منذ أيام دعوات لعدم الاحتفال بالعيد الذي يتزامن مع مرور سنة على دخول القوات التركية إلى مدينة عفرين.
لدى اتصالنا مع الباحث في التاريخ وخاصة تاريخ الكرد، عبد الله شكاكي، قال إنها المرة الأولى التي يقرر فيها الاعتكاف في بيته، ولا يشارك في الاحتفالات بالنوروز، "لأن بلدي محتل، لا أقدر أن أحتفل" يقول.
ونسأله عن النوروز، في الذاكرة السورية أو الكردية، فيقول إن ثمة ارتباطاً بين عيد الأم وعيد النوروز في سوريا، إذ أنه و"قبل عام 1986 لم تكن في البلاد عطلة رسمية بمناسبة عيد الأم، وما جرى هو أن الاحتفال بالنوروز كان ممنوعاً منذ أيام الوحدة مع مصر، وفي 1986، تظاهر مجموعة من الكرد احتجاجاً على منع الاحتفال، وتطورت الأحداث، فصدر مرسوم تشريعي باعتبار يوم 21 من آذار عطلة رسمية، لكن دون أن تسمى عطلة عيد النوروز، بل عطلة عيد الأم"
وحول تاريخ هذا اليوم، يقول شكاكي إن "الاحتفال الرسمي كان في أيام زرادشت، نبي الكرد والشعوب الآرية، في النصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد، وكانت السنة في التقويم لدى زرادشت تتألف من 360 يوماً، وعند التدقيق ارتأوا أن السنة 365 يوماً، فضم الأيام الخمسة إلى آخر السنة وخصصها للاحتفالات، ويشهد اليوم السادس المتوافق مع 21 آذار، الذي يدخل في السنة الجديدة، احتفالات شعبية عامة في الهواء الطلق، وتعنى كلمة نوروز (اليوم الجديد).
ويضيف شكاكي أن تلك الثقافة انتشرت في عموم الشرق الأوسط: سوريا ومصر وآسيا الوسطى، وكذلك في القوقاز التي كانت تتبع إمبراطورية ميديا. وفي كل منطقة كانوا يطلقون عليها اسماً مغايراً، كعيد شم النسيم في مصر.
تقليد إشعال النار يعود أصلاً إلى الثورات الثلاث التي بدأت أولاها في القرن الثامن قبل الميلاد، وقام بها الكرد ضد الإمبراطورية الآشورية، وكانت النار إشارة إلى النصر والحرية والدفء، كما كانت الشمس رمزاً لآلهة الكرد في المراحل التاريخية كافة، إضافة إلى أنهم يعيشون في مناطق جبلية باردة جداً، وكانوا يبدأون أنشطتهم الزراعية والعسكرية مع الربيع ويقيمون الاحتفالات مع الانقلاب الربيعي في 21 آذار، خاصة مع ارتباطها بشخصية كاوا الحداد وهو رمز أسطوري، لثورة شعب تكللت ثورته بالانتصار، ودخول نينوى في 21 آذار عام 612.
خالية من العواطف
الأخصائي النفسي والتربوي حسام الشحاذه يقول إن ظروف الضغوط المعيشية والاقتصادية فرضت نفسها بقوة خلال سنوات الحرب، وأن المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي يلاحظ أن مناسبة كعيد الأم مثلاً بدأت تفرغ من مضمونها، سيما خلال ظروف الحرب والأزمة السورية، فهناك من هاجر خارج سورية، وهناك من يقيم في محافظات أخرى، وهناك من هو قريب فعلياً من منزل أمه، لكنه يشعر بالثقل لزيارتها أو معايدتها في هذا اليوم.
ويضيف الشحاذه أن وسائل التواصل الاجتماعي غدت تؤدي دوراً فاعلاً في اختصار كثير من المناسبات الاجتماعية والعاطفية والوجدانية والدينية، وتقتصر على إرسال معايدات وتهاني وتبريكات بطريقة إلكترونية خالية من الانفعالات والعواطف المباشرة، مقارنة بالتواصل المباشر.
اربح كيلو ذهب
في العالمين الحقيقي والافتراضي، كانت الأعياد تأخذ أشكالاً عدة، ومع أخبار الحسومات على السلع والهدايا الخاصة بالمناسبة، كانت أيضاً برامج التلفزة وشركات الاتصالات تدعو إلى إرسال الرسائل، والمشاركة في "سحوبات عيد الأم":
أرسل "أمي" وادخل السحب على 30 مليون ليرة، بكلفة 100 ليرة.
كيلوغرام ذهب .. أرسل .. وبكلفة 75 للرسالة.
دمشق ـ أسامة يونس