الكعك البرليني لاهل الشام
من المستبعد حدوث خروقات " جوهرية " في اجتماع كيري لافروف . هكذا استبق مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية لقاء وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة في برلين التي وصلها جون كيري ضمن جولة أوربية ،واختيرت ؛ عاصمة لأول لقاء بين راسي الدبلوماسية الروسية والأميركية المتعارفين على بعضهما منذ سنوات.
من المستبعد حدوث خروقات " جوهرية " في اجتماع كيري لافروف. هكذا استبق مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية لقاء وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة في برلين التي وصلها جون كيري ضمن جولة أوربية ،واختيرت ؛ عاصمة لأول لقاء بين راسي الدبلوماسية الروسية والأميركية المتعارفين على بعضهما منذ سنوات .
أزدحم لقاء برلين بملفات كلها ساخنة في مقدمتها الملف السوري ؛ الهم المشترك لواشنطن وموسكو ؛ وان اختلفت زوايا النظر إلى المأساة المتواصلة في بلاد الشام منذ عامين.
الوزير الأمريكي عبر عشية اللقاء عن الأمل في أن " تدعم روسيا التغيرات الديمقراطية " في سوريا.وتحدثت مصادر الخارجية الأميركية عن أن كيري سيركز في المباحثات مع لافروف على " المصالح المشتركة والعلاقات الثنائية " ٠ عبارة فسرها بعض المراقبين بان واشنطن ستعرض على موسكو مكاسب إذا تخلت عن الرئيس السوري بشار الأسد.
ويستشف من نتائج اللقاء ان كيري، أوصل لنظيره الروسي؛ رسالة مفادها أن التسوية السياسية للحرب الأهلية في سوريا ؛ غدت مطلبا أميركيا أوربيا بعد أن كانت تتعثر في أروقة الكرملين وعند جدار الصين وتصل اصدائها إلى القليل من العواصم العالمية والإقليمية .
ولعل الوزير لافروف يشعر بالزهو لان دأبه على المناداة بالحل السياسي أتى أوكُله . وتتعزز لديه القناعة بان موقف واشنطن اخذ يتغير لصالح التسوية السياسية مع وصول كيري الى الخارجية الاميركية ؛ اذ يعرف عنه انه بذل قبل اندلاع الأزمة جهدا كبيرا لإخراج نظام الرئيس بشار الأسد من قائمة " المارقين المنبوذين " التي صفت الآلة العسكرية الأميركية اثنين من أعضائها ؛ الرئيس العراقي صدام حسين ، والعقيد الليبي معمر القذافي في حربين ما تزال الدولتان وشعبيهما يدفعان أثمانها دمارا وقتلا.
موسكو التي تشعر بالانتشاء لان شركاءها في عواصم القرار الدولي ؛ يأخذون الان بطروحاتها السورية ولو بالمفرد ، تسعى لحث واشنطن لان تضغط على المعارضة للدخول في المفاوضات مع النظام بدون شروط مسبقة . فالمعارضة السورية ممثلة بالائتلاف الوطني تثقل الموافقة على الجلوس مع النظام بشروط تعرف روسيا أنها غير قابلة للتحقيق من جانب القيادة السورية التي تتمسك هي بدورها بشرط استبعاد الجماعات الإرهابية دون تحديد واضح لهوية تلك المنظمات . كما تشترط الحكومة السورية دمشق مقرا للقاء وترفض اللقاء بمعارضيها في الخارج بما في ذلك موسكو التي تتحفظ على فكرة ان تكون العاصمة السورية مكانا مهما قدمت القيادة السورية من تعهدات امنية .
فبعد الواقعة المحرجة لموسكو وبكين باختطاف المعارض البارز عبد العزيز الخير على طريق مطار دمشق عائدا من بكين ؛ يلوح أن الثقة بين موسكو ودمشق تزعزعت بهذا الشان . والمعروف أن عبد العزيز الخير كان يتحرك ، قبل اختفائه منذ مايزيد على الأربعة شهور ، بضمانات روسية صينية . ويؤكد زملاؤه في هيئة التنسيق الوطني السورية المعارضة بانه -أذا كان حيا إلى ألان - فانه يقبع في احد فروع المخابرات السورية التي يزيد عددها على الدرزينة بأربعة . ومع انه لا تتوفر لدى موسكو ؛ معلومات تجعلها تصدق بدون تحفظ رواية زملاء الخير؛ فإنها لا تجد سببا وجيها للوثوق برواية النظام المعروف منذ عقود بانه يجيد إخفاء المعارضين .
قد تتخيل الدبلوماسية الروسية خارطة الطريق نحو التسوية السياسية للحرب في سوريا ؛ وربما تشعر أن الفرقاء السوريين وكذلك اللاعبين الإقليميين والدوليين باتوا لايرون سبيلا سواها ؛ لكن يصعب على لافروف القول بان العربة السورية المتهالكة وضعت على سكة التسوية أو أن دمشق ومعارضيها سيوافقون إلى التفاوض دون شروط مسبقة.
فالأمر لا يتعلق بالأسد أو بالخطيب بل بالدوائر المحيطة بهما . إذ لايمكن أن تستسلم المؤسسة الأمنية السورية ببساطة ومعها المؤسسة العسكرية لدعوات السلام قبل أن تكون قد أجهزت على المعارضة المسلحة لتشتيت قواها ، أن لم تتمكن من دحرها تماماً. كما من المستحيل تخيل أن المعارضة المسلحة ستصغي إلى مواعظ الشيخ معاذ الخطيب بالجنوح إلى السلم وتفرط بمكاسب على الأرض دفعت ثمنها الآلاف من أرواح مقاتليها. ومن غير المؤكد فيما إذا كان المعارضون في الخارج ، ذوي الياقات البيضاء- مع انهم يناصبون أربطة العنق العداء !! مقنعين لممتشقي السلاح ، حاملي أرواحهم على الأكف . وثمة اعتقاد بان الائتلاف لا يلقى آذانا صاغية داخل الوطن في وقت تصم الأسماع وتعمي الأبصار أدخنة المعارك.
ما الحل إذا ؟ تتسائل الأغلبية الصامتة في سوريا.
خصص اجتماع برلين الروسي الاميركي ، وقتا كافيا للملف السوري ويفهم من تصريحات الوزير لافروف أن الجانب الأميركي تعهد بإقناع المعارضة السورية الجلوس إلى مائدة المفاوضات . وواضح فان الدبلوماسية الروسية تاخذ بنظر الاعتبار حقيقة ان النتائج على الأرض تؤثر بصورة مباشرة على المواقف الدولية والإقليمية لانها تفرض نفسها بالقوة على المتحاورين .
لم يبدو الوزير المعلم متفائلا أثناء الاجتماع مع نظيره الروسي في موسكو ظهيرة الاثنين وقبل يوم من لقاء برلين ؛ مع انه كان سخيا خلافا للمرات السابقة في إبداء الاستعداد للتفاوض مع " المعارضة بمن فيها من يحمل السلاح"
في نفس الوقت لم يظهرعلى الوزير لافروف ، الاستعداد لتلقي " مكاسب" من كيري الذي التقاه الثلاثاء . فقد اكد الوزير الروسي على ثوابت موسكو ولم يترك ثغرة في عباراته المنتقاة بعناية متحدثا للصحفيين في فندق (ادلون )الذي كان يقع على الحد الفاصل بين برلين الشرقية وبرلين الغربية قبل أن تتوحد بسقوط الجدار . حينها أعلنت واشنطن على لسان الرئيس ريغن أنها كسبت الحرب الباردة مع الروس وبدا العد التنازلي نحو انفراط عقد الدولة السوفياتية .
اليوم يستقبل (ادلون )علية القوم بواجهات في صالة الاستقبال تعرض ألذ أنواع المعجنات البرلينية التي كان أبناء الشعوب السوفياتية يتسابقون على شرائها وتعتبر أحلى هدية للصغار . في الفندق الذي احتضن لقاء لافروف - كيري لم يكن مذاق المباحثات حلوا لانها تطرقت الى " ملفات مزعجة " كما ابلغ لافروف الصحفيين . لكنه اكد بان نظيره الاميركي لا يغلق عيونه عنها وتعهد بحلها ؛ من بينها ملف الاطفال الروس المتبنين من قبل الاسر الأميركية ويتعرضون الى انتهاكات .
واستنادا إلى تصريحات الوزير لافروف فان المباحثات مع نظيره الأميركي اتسمت بتفهم أميركي للملفات المعقدة في العلاقات الثنائية ..
ومن غير المفهوم لماذا لم يظهر كيري للصحفيين عقب اللقاء .والتفسير الوحيد أن الوزير الأميركي لا يريد تاكيد ما قاله لنظيره الروسي في اللقاء خلف الأبواب وترك لسيرغي لافروف أن يبلغ الصحفيين ما يراه صالحا للنشر .
إجمالا ؛ فان الاجتماع الأول بين الوزيرين الأميركي والروسي كشف عن أن موسكو وواشنطن حريصتان على تعديل الاعوجاج في العلاقة الثنائية وان الملفات الدولية والإقليمية مهما بلغت سخونتها تبقى في الدرجة الثانية من سلم الأولويات الأميركية
الروسية . ولربما لعبت المعجنات البرلينية حلوة المذاق في ترطيب الأجواء ، ونسيان مرارة الحرب التي تطحن السوريين وتحيل بلادهم إلى أطلال فيما تعهد كيري بحض المعارضة على التفاوض مع الحكومة .واكد لافروف أن القيادة السورية تعهدت الالتزام بمبدأ الحوار ولم يبق غير تحديد المفاوضين من الطرفين ومكان اللقاء السوري - السوري .
عبارات قالها لافروف وبعثت الأمل بتسوية سياسية تلوح في الأفق ؛ لكنها قد تبقى في دائرة المرتجى و المؤجل.
سلام مسافر
المواضيع المنشورة في "منتدى روسيا اليوم" لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر إدارتي موقع وقناة "روسيا اليوم".